Pages

samedi 10 mars 2012

السلبية نتاج طبيعي لتدني شعور الشباب العربي بالانتماء



جرت جدالات واسعة في السنوات الأخيرة، حول تزايد السلوك السلبي لدى الشباب العربي، اتفق الكثيرون على أن الأجيال الجديدة تحمل بداخلها قدرًا لا يُستهان به من السلبية، وفي الواقع فإن السلوك السلبي تجاه شيء ما مرتبط بصورة عكسية بمدى الشعور بالانتماء له، فإذا زاد الشعور بالانتماء لشيء ما، انخفض السلوك السلبي تجاهه، وإذا انخفض ذلك الشعور، ظهرت ملامح السلوك السلبي بوضوح أكبر.
ظاهرة السلوك السلبي لدى الشباب شملت معظم البلدان العربية، إن لم تكن جميعها، إلا أن نسبتها وطبيعتها تتفاوت من بلد إلى آخر؛ ففي الدول المترفة على سبيل المثال تجلت مظاهر الإسراف، والسلوك الاستهلاكي لسلع مستوردة باهظة الأسعار، والسباقات العشوائية للسيارات؛ التي خلَّفت العديد من الحوادث المروعة. 
فيما توجهت أعداد كبيرة من الشباب في البلدان الفقيرة إلى الهرب من واقعها، إلى حلم الثراء، عبر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وعلى الرغم من هذا الاختلاف توجد مساحات واسعة من السلبية، يلتقي فيها الشباب العربي، بمختلف طبقاته، الاجتماعية والثقافية.
وفي خضم ذلك، شهدت السنوات الاخيرة تساؤلا، ربما لم يُطرح مثيل له في الأجيال السابقة، وهو "ماذا تعني كلمة وطن"؟، وفي النقاشات التي طرحها الشباب المصري، في جلساتهم ومدوناتهم ومنتدياتهم الإلكترونية، بدت حَيرة جلية في ردود المشاركين، إلى مدى لم يستطع معه غالبيتهم تحديد مفهوم الكلمة بوضوح.
وصدرت عن مصر - التي تُعَد أكبر بلد عربي؛ من حيث تعداد السكان- موجات من الهجرة الخطرة للشباب نحو أوروبا، عبر مراكب متهالكة للصيد، بتكاليف باهظة، تتجاوز قدرة أسرهم الفقيرة، فقد خلالها عشرات - وربما مئات الشباب- أرواحهم، وسط أمواج البحر العاتية، فيما اعتُقل البعض الآخر، ونجا القليلون، واتجه نحو 20 ألف شاب للعمل في قلب إسرائيل.
الهجرة نحو أوروبا شملت ايضًا شبابًا من بلدان عربية أخرى، مثل ليبيا والمغرب وتونس والجزائر، إضافة إلى الأردن.
اعتبر البعض تلك المغامرات الخطرة إشارة واضحة إلى سلبية هؤلاء الشباب، وهروبهم من الواقع، بدلا من العمل على تغييره، فيما مد آخرون انتقاداتهم للشباب، إلى حد وصفهم بالجشع والرغبة في الثراء السريع، بينما رأى فريق آخر أن الشباب هو الضحية، وليس الجاني، واعتبر تلك المغامرات دليلا على عدم السلبية، أو الاستسلام للواقع المرير؛ الذي يعيشونه، دون أمل في غد أفضل.
وفيما بدا محاولة لتبرير السلوكيات السلبية، ربط الكثير من الشباب بين الشعور بالانتماء للوطن، وقدر حبه للحكومة، وما يُعَد لافتًا للنظر، هو أن مثل تلك الجدالات تغيب عن المناقشات؛ التي تُطرح في ساحات النقاش الغربية، بمختلف أنواعها، وربما يرجع ذلك إلى أن أنظمة الحكم في تلك البلدان هي المتغير، والثابت هو الشعب والأرض والدستور، فيما يحدث العكس في الكثير من الدول العربية، فالمطلق هو أنظمة الحكم، والمتغير هو ما دون ذلك. 
تزايد السلوك السلبي لدى الشباب العربي جاء في الوقت الذي تُولد فيه أجيال، وتفنى، في ظل أنظمة عسكرية تتناقل السلطة بين أفرادها، ثم تقوم أو تُعِد لتوريثها لأنجالها، ويرتبط مصطلح "إهانة الدولة" أو "الإضرار بمصالحها العليا"، بإهانة الحكام، أو الإضرار بمصالح أنظمتهم، والأرض العربية أيضًا ليست ثابتًا، فهي تتناقص وتتزايد عبر الاحتلال أو الجلاء، والدستور يُعَدَّل وفق مصالح النظم الحاكمة.
والخطر يكمن في أن الحاجة إلى الانتماء عند الإنسان أمر فطري، وواقٍ ضد السلوك السلبي تجاه المجتمع، ووفق نظرية إبراهام ماسلو للدوافع الإنسانية، فإن الحاجة إلى الانتماء والحب، تأتي في الترتيب الثالث من الأهمية لدى الإنسان، بعد الحاجات الفسيولوجية، والحاجة إلى الأمن. 
دراسات ومقالات عديدة حذرت من سلبية الشباب، وأشار بعضها إلى أن هناك اتجاهًا، على نطاق واسع لديهم، نحو استخدام اللغة الإنجليزية، والتفاخر بالقدرة على تحدثها، فيما يظهر الاحتقار للغة العربية، وأظهرت دراسة أجرتها الدكتورة ريما سعد الجراف، الأستاذة بكلية اللغة والترجمة، بجامعة الملك سعود، على عينات من طلبة جامعتها، والجامعة الأردنية "حرص شبابنا الشديد على تعلم اللغة الإنجليزية، وتعليمها لأبنائهم، ونظرة الإجلال والانبهار باللغة الإنجليزية، والنظرة الدونية للغة العربية".
وتكشف حادثة حريق مجلس الشورى بمصر، عن نموذج آخر من السلوك السلبي، الناتج عن الشعور بعدم الانتماء، فقد علق الكثيرون على هذا الحادث بـ"خلوها تتحرق، هي بتاعتنا؟"، ولم يعبأ الشباب بخسائر قُدرت بعشرات الملايين، وتكاليف إصلاح بنحو مليار ومائة وخمسين مليون جنيه، في وقت يعاني الملايين منهم من أزمة البطالة، وأزمة الإسكان، وحتى أزمة الحصول على رغيف الخبز، وأنابيب الغاز.
مظاهر أخرى تجلت، كتخريب الممتلكات، وإهدار المال العام، أو تأييد تلك الجرائم، أو في أدنى تقدير الصمت عليها، ويبرز ذلك السلوك في تقطيع كراسيِّ سيارات النقل العام، بآلات حادة، وعلى جدران المباني؛ التي يخطون عليها أسماء تنم عن مجتمعهم الصغير؛ الذي ينتمون إليه بإخلاص، وهو الاصدقاء، مشيرين إليه بعبارات، مثل "العفاريت الحمر: البرنس، شفطورة، مشعللها، تايجر".
في العام قبل الماضي نشرت صحيفة "الحياة" اللندنية، تحقيقًا صحفيًّا، عن ظاهرة تفشت بين الشباب السعودي، وهي الرسم على جدران المباني، عرّفتها باسم "الجرافتي"، وجاء تعليق الدكتورة فتحية القرشي، أستاذة علم الاجتماع، على تلك الظاهرة، هو "أن الرسم على أسوار الشوارع والمنازل ناجم عن الافتقاد إلى الانتماء والأهمية؛ ما يجعلهم يعبرون عن هذا النقص بهذه الطرق السلبية"، وطالبت عالمة الاجتماع بتوفير بدائل لتفريغ طاقات الشباب.
وتشير بعض التقديرات، إلى أن قرابة 70% من الشباب المصري غير مسجل في قوائم الانتخابات، وأن أكثر من 90% منهم لا ينتمون إلى أية أحزاب سياسية، وبدا في تقارير ولقاءات إعلامية عدة، أن لدى الشباب ريبة في الحياة السياسية بشقيها، المعارض والموالي للنظام الحاكم، مما أدى إلى العزوف عن المشاركة في أي مظهر من مظاهر العمل السياسي، كاعتراض سلبي جماعي - بالرغم من أنه غير منظم- على الوضع القائم.
تلك المشاهد تبدو بقوة على سطح المجتمع، وفي واقع الامر هي الغالبة، غير أن مشاهد مغايرة، وإن كانت محدودة، بدأت تتجلى في المجتمع الافتراضي على الإنترنت، حيث اتسم العديد من المشاركين بإيجابية، من خلال المدونات، وفي أعداد لا تُحصى من المجموعات، على الموقع الاجتماعي الشهير "فيس بوك"، تطالب بالتغيير، وبرد فعل إيجابي على مظاهر الفساد؛ التي تفشت في المجتمع، سواء كان مصدرها المجتمع أم السلطة.
وفي مشهد يتكرر كثيرًا في مدونات الشباب، وتجمعاتهم الإلكترونية، سُرِدَت سطورٌ معبرةٌ عما آل إليه حال الشباب، وقناعاتهم تجاه الوطن، يبدأ "إنسان" في مدونته "شبابيك على الحياة"، بالتساؤل عما تعنيه كلمة وطن، ثم يصل إلى نتيجة، مفادها أنه اهتدى إلى الانتماء، ولكن بطريقته الخاصة.
يقول المدون: "بنتمي لكل واحد عجوز، ضهره محني من هم السنين، بحس أنه أبويا، أنه من أهلي، بنبسط لما ألاقي العيال الصغيرة بيضحكو، وبيلعبو، ومفيش عندهم للهم مكان، بحب الناس والبلد، بس مش الحكومة والأمن المركزي؛ اللي بيعاملونا أكننا محتلين البلد، مش بلد الحكومة؛ اللي مش حاسة بينا، ولا أكنها حاكمة بلد، بحس وأنا شايف عساكر الأمن المركزي الغلابة، أني برضه بحبهم، من عيلتهم، ده مجدي ابن عمي، وده حامد وبدير قرايبي، بحس أنهم مغلوبون على أمرهم، هما برضه بيحبونا؛ لأننا أهلهم، عينهم بتبكي، وبيتألمو زينا، ما هم بشر مننا، بحب البلد اللي هيا أنا وأنت، وأهلنا وأصحابنا، وحياتنا كلها".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire